لقد أتى محمد الغزالي في معرض حديثه عن التفكير السلبي أن الفكر عندما
يبقى يقظا على هبوب الأخطار، وعندما يظلُّ
المرءُ رابطاً الجأش يقلب وجوه الرأي ابتغاء مخلص مما عراه، فإن النجاح لن يخطئه،
ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الصبر عند الصّدمة الأولى فالتحسر على الماضي الفاشل، والبكاء المجهد على
ما وقع فيه من آلام وهزائم هو في نظر الإسلام بعض مظاهر الكفر بالله والسّخط على
قدر. لأن النفس المختلة: تثير الفوضى في
أحكم النُّظُم، وتستطيع النفاذ منه إلى أغراضها الدنيئة. والنفس الكريمة ترقع الفتوق في الأحوال المختلَّة، ويشرق نبلها
من داخلها، فتحسن التصرّف والمسير وسط الأنواء والأعاصير. فيجب على الإنسان حسب قول الغزالي أن يضع نصب عينيه أنَّه لو أحداً ملك الدنيا كلّها ما استطاع أن ينام إلاّ
على سرير واحد، وما وسعه أن يأكل أكثر من ثلاث وجبات في اليوم. لذلك دعا إلى عدم الغضب لأنه
مسٌّ يسري في النفس كما تسري الكهرباء في البدن. قد يُنشئ رعدة شاملة، واضطراباً
مذهلاً، وقد يشتد التيار فيصعق صاحبه ويقضي عليه. ففي مقدمة الصالحات : أن تدرك
ضخامة النِّعم التي اُسبغتْ عليك، وأن تُغالي بحقيقتها وحقِّها، فإن الله لو ناقشك
الحساب عليها، وتقاضاك الوفاء بثمنها .لَعجزتَ. فبالاكتفاء الذاتي وحسن
استغلال ما في اليد، ونبذ الاتكال على المنى هي نواة العظمة النفسية، وسرُّ
الانتصار على الظروف وكلَّ تأخيرٍ لإنفاذ منهاج تجدِّدُ به حياتك، وتصلح به أعمالك
لا يعني إلا إطالة الفترة الكابية التي تبغي الخلاص منها، وبقاءك مهزوما أمام
نوازع الهوى والتفريط، بل قد يكون ذلك الطريق إلى انحدار أشدّ، وهنا الطامة. وأكد
محمد الغزالي على أن تجديد الحياة لا يعني إدخال
بعض الأعمال الصالحة أو النيات الحسنة وسط جملةٍ ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق
السيئة، فهذا الخلط لا ينشئُ به المرء مستقبلا حميدا، ولا مسلكا مجيد كما أن
المحاكاة وذوبان الشخصية وتمثيل الأكبر: علل لا تُذمّ في مجال قَدْرَ ما تُذمّ في
المجال الديني، حيث لا يبلغ أحد درجة التقوى إلا إذا استقامت خلائقه، وطابت
سجاياه، وكل تظاهر– مع فقدان هذا الأساس – لا يزيد المرء إلا مسخا.