أي عاقل منا
لا يسلِّم بأننا في أمس الحاجة إلى العودة إلى الكتاب والسنة، نعم نحن في حاجة ماسة
إلى التمسك بالكتاب والسنة والعض عليهما بالنواجذ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ هل يكون
عن طريق حفظ نصوصهما عن ظهر قلب، أو تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار؟ هل يكون
بسرد وقائع السيرة والتمتع برواياتها وسكب الدموع والعبرات على ذلك؟ لا شك أننا لا
نستغني عن هذا وذاك، فنحن نحتاج إلى تلاوة القرآن في كل وقت مناسب، ونحتاج إلى المواعظ
التي تستند إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحتاج إلى الخشوع والبكاء، فهذا
من أمارات الإيمان والتقوى. لكننا أيضا في حاجة ماسة إلى فهم ما في هذين المصدرين العظيمين
من اجل العمل وليس مجرد الفهم، وليس مجرد استنباط الأحكام التي لا تجد طريقها إلى التطبيق
ولكن تظل حبيسة الكتب. ولا يتأتى هذا إلا بالتفكير لأجل العمل، فالتفكير وحده لا يكفي،
إذ لا بد من العمل الصالح الصحيح، وهذا هو العقل. فالعاقل هو المفكر العامل لا مجرد
المفكر وحسب، فما فائدة الأفكار المتراكمة إذا لم تجد طريقها إلى التطبيق.
نصوص القرآن
والسنة طافحة بالدعوة إلى التفكير وممارسته والعمل بما فكرنا، وحسن تصور ما يأتينا
من أخبار وعقائد. وليس أدل على حيوية هذه الأمة العظيمة، وقدرتها على التفكير والإنجاز
والإبداع، من أنها حكمت العالم بأسره أربعة عشر قرنا، وقامت بنشر أعظم حضارة عرفها
التاريخ ولن يعرف
لها مثيلا.
الفقه وأصول
الفقه من الشواهد العملية الحية على نبض التفكير في الإسلام، لان الفقه هو اجتهاد مبني
على أصول معينة، وهو يعني التفكير والإبداع. وليس يقتصر الأمر على هذا بل إن نصوص الكتاب
والسنة مليئة بالوسائل والأساليب التي تحث على التفكير وتشجع عليه، وتعمل على إزالة
العقبات من طريقه، وتدعو الإنسان إلى التفكر والتعقل في الآيات القرآنية والكونية على
حد سواء. وتجد ذلك شاخصا في كل سورة، بل في كل آية من آيات القرآن العظيم، مشكلا دلائل
إعجازية بالغة على كون هذا القرآن من عند الله، وان البشر لا يطيقون أن يأتوا بمثله
أبدا، ويقف شاهدا على نبوة هذا الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم. [1]